وبعد هذا العرض المفصل الذي يبين معظم الأعراض المتعلقة بصرع الأرواح الخبيثة ، فإني أنقل كلاماً للدكتور الفاضل ياسر عبد القوي من كتابه " الأمراض النفسية " ، وحقيقة الأمر فإن إصدار مثل هذا الكتاب الذي يعرض حقيقة الأمراض النفسية وكيفية معالجتها ، والذي يتعرض صراحة وبشكل واضح للأمراض الروحية ، لممّا يثلج الصدر ويشرحه ، وكون أن يبرز على الساحة الإسلامية أمثال هذا الطبيب المسلم فهذه نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى ، حيث أن الله قد حباه بالبصيرة والتمعن ، فعلم حقيقة هذه الأمراض وطبيعتها وتأثيراتها ، ليس ذلك فحسب إنما سخر وقته وجهده لدراستها والوقوف على تفاصيلها ودقائقها ، وبذلك جمع بين النصوص النقلية الصريحة وكلام علماء الأمة في هذه الأمراض ودراسته الأكاديمية العلمية ، وكلنا أمل أن يحذو كثير من الأطباء النفسيين حذو الدكتور الفاضل ، ونحن على يقين تام بأن هذا الاتجاه في الدراسة خاصة بالنسبة للأطباء النفسيين سوف يعطيهم القدرة الفائقة في التعامل مع الحالات المرضية ودراستها دراسة علمية متأنية للوصول إلى حقيقة المعاناة والألم ، والوقوف على الداء ووصف الدواء النافع بإذن الله تعالى ، وهذا هو الهدف والغاية الذي يسعى إليها الطبيب النفسي المسلم ، ويا حبذا لو تتكاثف الجهود الخيرة بين الأطباء النفسيين والمعالجين بالقرآن ويكون محور هذا التعاون والتكاثف الدراسة العلمية الجادة وتحكيم النصوص الشرعية في كل المسائل المطروحة على الدراسة والبحث ، دون تدخل أي طرف في عمل الطرف الآخر ، وهذه المشكلة من أعقد المشكلات التي عمقت الفجوة بين الأطباء النفسيين والمعالجين بالقرآن ، وأعطي مثالاً على ذلك :
يقول الدكتور موسى الجويسر – طبيب العائلة في مركز الشامية الصحي بدولة الكويت عن حقيقة مس الجن للإنس : ( لم أر قط في حياتي إنساناً يسكنه جني ، غير أن التداخل بين المرض النفسي والاعتقاد بوجود الجن موجود ، والمثال على ذلك أن مريض انفصام الشخصية يعاني من خلل في طريقة التفكير رغم أنه يأكل ويشرب بشكل عادي إلا أنه عندما يفكر ونسمع كلامه نجد أنه يقول وبجدية وبدون شعور بالكذب إن فلاناً يكلمني وبالأمس أفطرت مع 000 والحقيقة أنه لم يخرج من المنزل بالإضافة إلى أنه يسمع أصواتاً لا يسمعها غيره في المكان ، وكذلك يقول المتوهم بالإصابة بمس الجن إنه يشعر بعلامات مثل الخدر في الجسم في حين إن مثل هذه الأعراض نجدها في المريض النفسي ، وهنا أطالب بتناول القضية بكل حرص وأناة بين علماء الإسلام خاصة وأنها قضية في غاية الغموض ولا داعي لأن نجعل الكثير من الجهلة والمشعوذين ونعطيهم الفرصة للكسب المادي السريع دون أن يجدوا من يرد عليهم بالحجة العلمية القاطعة ) ( مجلة الفرحة – العدد ( 42 ) – مارس 2000 م – ص 31 ) 0
قلت : هذه هي المأساة التي يعيشها كثير من الأطباء النفسيين ، ونصيحتي لكل طبيب نفسي مسلم أن يهتم بالجوانب الطبية النفسية ودراستها ، وأهم من ذلك كله أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأن النصوص النقلية الصريحة أكدت بما لا يدع مجالاً للشك على هذه الأمراض وحقيقتها وتأثيراتها ، ويبقى اهتمام الطبيب النفسي المسلم ينصب على دراسة الحالة المرضية وتشخيصها ولا يكون ذلك بمعزل عن الإيمان القطعي بالأمراض الروحية ، ولا مانع مطلقاً أن يجتمع الطبيب النفسي مع المعالج بالقرآن ليستطيعا معاً وفق الأصول الشرعية والمعايير الطبية من الوقوف على حقيقة الداء ووصف الدواء النافع بإذن الله تعالى ، أما أن ننكر الأمراض الروحية ونلقيها وراء ظهورنا ونبدأ بتحليل كل الأعراض على أنها أعراض نفسية فهذا هو عين الخطأ ، وهذا لا يعني أنني أبرأ كثيراً من المعالجين ممن سلك هذا المسلك فأخذ يصف الدواء ويطلب صور الأشعة ويضع في عيادته الوسائل الطبية التعليمية ليشرح للمرضى عما يعانون منه من أمراض روحية ، وكلا الطرفين لن يفلحا مطلقاً في تقديم العون والمساعدة للمرضى النفسيين أو مرضى الأمراض الروحية ، ومن هنا لا بد أن تكون الغاية والهدف للجميع الانتصار للحق ، دون انتصار للذات ، عند ذلك سوف تعم الفائدة ونصبو للخير وتتحقق المصلحة الشرعية للجميع سواء كانوا أطباء أو معالجين أو مرضى وغيرهم ، فأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق الدكتور ياسر في عمله ويبارك في جهده ، وأن يجعله سبباً من أسباب الشفاء بإذنه سبحانه وتعالى وحده 0
يقول الدكتور ياسر عبد القوي : ( للمس أعراضه وآثاره التي تميزه وإن كانت تتشابه مع بعض الأعراض النفسية ، وأحياناً يكون التشابه شديداً وأهل الخبرة والدراية فقط هم الذين يستطيعون التفريق بينهما ، ولهذا يجب الحيطة والحذر الشديدين في التعامل مع الأعراض لإعطاء التشخيص الصحيح ، وهذه الأعراض كثيرة ، فمنها النفسية والجسمانية والروحية 0
أولاً : الأعراض النفسية :-
1- نوبة الصرع : ويصف هذا العرض المحيطون به ويتميز صرع الجن بالآتي :
أ- أسباب نوبة الصرع : هناك أمور تساعد على ظهور هذه النوبة مثل ضغط نفسي أو حزن شديد أو صدمة عصبية أو بسبب سماع القرآن الكريم أو ذكر الله أو درس من دروس العلم ، أو الحديث عن أحوال الجن وعالمهم ، أو شم بعض الروائح التي يحبونها كالبخور مثلاً ، وأحياناً لا يكون بسبب واضح 0
ب- فقد وعي : إما أن يكون تاماً أو غير تام مصاحباً برعشة وارتجاف واختلاط الأعضاء أولاً ، ولكنه غالباً لا يكون معه عضة لسان أو تبول لا إرادي ، وهذا ما يفرقه غالباً عن الصرع العصبي 0
ج- نطق أو تكلم أثناء النوبة : قد يحدث نطق بصوت مختلف أو بطريقة مختلفة أثناء النوبة وغالباً ما يكون بطريقة مفهومة ، وأحياناً لا يكون صوت كلام وإنما بكاء وصراخ 0
د- رسم المخ ( تخطيط المخ ) يكون سليماً ، ولهذا فإن هذا الصرع يشبه إلى حد بعيد الصرع الهستيري لا الصرع العصبي 0
هـ- قراءة القرآن على المريض أثناء النوبة قد تساعد على إفاقته على غير العادة 0
2- تسلط الوساوس على المريض بصورة مكثفة : وهي الوساوس التي تصده عن الذكر والعبادة ، أو تأمره بمعصية ، أو تهيجه إلى إثم ، أو تنفره من أهل الخير ومن أهله وزوجه ، وهذه الوساوس غالباً يعبر عنها المريض أنها صادرة من نفسه أو من صوت في صدره 0
3- الحزن والعصبية وانقباض الصدر في فترات كثيرة أثناء اليوم دون سبب واضح 0
4- العصبية الشديدة والاستثارة لأتفه الأسباب والتفوه بكلام لا يتذكره المريض بعد هدوئه ، وهذا مصداق قول النبي في الحديث الصحيح لما نصح رجلاً غاضباً بأن يقول كلمة تذهب عنه ما يجد " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " 0
5- الشرود الذهني المتكرر والذي يستغرق فترة ليست بالقصيرة من اليوم ، فدائماً يشكو المريض بالمس من الشرود والتفكير في لا شيء ، وربما يمكث الممسوس ساعة من الزمن شارداً حتى لا يشعر أنه قضى هذه الساعة وكأنه لم يعشها 0
6- النسيان لبعض الأحداث أثناء فترة تعبه ، سواء أكانت أفعالاً أم أقوالاً ، ولا يتذكرها تماماً وربما يستنكرها ويستغربها وقد فعلها 0
7- الخوف والهلع كثيراً ما ينتاب الممسوس : حالات خوف أو أحياناً هلع بين الحين والآخر وقد تستمر ولا سيما ليلاً ، وكثيراً ما يكون الخوف شديداً يمنع من الحياة الطبيعية وكذا النوم الطبيعي0
8- الأرق : كثيراً ما ينتاب الممسوس إما في بداية النوم وإما في منتصف الليل 0
9- الفزع : أثناء النوم والأحلام المزعجة ( الكوابيس ) يشكو كثير من الممسوسين منها ، وأنها توقظهم من النوم 0
10- صدود المرأة عن الزواج وكذا الرجل : كثيراً ما تتعرض الممسوسة للصدود في مواضيع الخطبة والزواج دون أسباب ظاهرية 0
11- إيثار الجلوس في الحمامات لمدة طويلة : هذا العرض يظهر في كثير من الممسوسين وهو ميل إلى الجلوس في الحمامات والخرابات وأماكن النجاسات 0